6- نظرة مؤلف المقل (الطالب)، المؤطر، محرر المجلة، ووالمصححين للمقال "إختلاف الرؤية والهدف"


إن مما لا شك فيه أننا نعيش اليوم في عالم مادي بحت بحيث طغت فيه المادة وأصبحت هوية المرء مثلا تعتمد أساسا على عدة معايير مادية ثابتة كالشهادة العلمية، منصبه في العمل، مقدار رصيده البنكي، حجم المنزل الذي يعيش فيه. وأضحت المصلحة هي الهدف الأول فوق كل اعتبار سواء بالنسبة للأفراد أو الدول والمجتمعات. وبيد أنني لست في موقع الحكم على بهرجة الماديات ومدى تغطيتها على القيم والثوابت بقدر ما أنا في موقع ضارب المثل. ينطبق نفس الأمر على البحث العلمي الذي تقنن وأخذ أبعادا ومعايير مادية لتصنيف وتحجيم عناصره، فالمجلات العلمية أخذت معاملات خاصة كمعامل التأثير و
SJR (تم الحديث عنها في المقال الماضي). الباحثين تم تصنيفهم بمعامل H (تم تفصيله في المقال الماضي)، وهكذا دواليك. سيطرة المادية على البحث العلمي فرضت على الباحثين منطق جديد قائم أساسا على النتائج والأسباب البحتة، بحيث تختلف نظرة كل فرد من المنظومة العلمية لمقالك حسب أهدافه ومصالحه. فمؤلف المقال ينظر اليه على انه وسيلة لإتمام مرحة الدكتوراه والخروج من هذه المعمعة بأقل الأضرار والمشرف ينظر للمقال على أنه وسيله للترقية أو نيل مكافئة مالية، بينما محرر المجلة يراه أداة متوقع منها نسبة اقتباسات عالية للرفع من قيمة المجلة وشهرتها.



التاجر الماهر الفطن الذي يحسن تسويق سلعته تجده خبيرا عالما بطريقة تفكير العميل وميولاته المصلحية. فتجده ساعيا لإرضاء ميولات الزبون بتعريفه منتجاته تارة إقناعه بشرائها تارة أخرى، وذلك بعرض المنتج بصورة جيدة وإظهار محاسنه وقيمته وجودته الرفيعة، مقنعا الزبون بأنه السر لحل مشاكله التي يعرفها البائع سلفا. وهكذا يفعل الباحث الذكي فهو يسعى لتسويق مقالته العلمية وإظهار محاسنها وقيمتها وجودتها مع إقناع جميع الأطراف بطريقة غير مباشرة بأنها تلبي رغباتهم، طموحاتهم ومصالحهم. وهذا ما سنهتم به في هذا المقال بحيث سنعرض اختلاف الرؤى والأهداف والمصالح بين المؤلف، المؤطر، محرر المجلة والمصححين بينما سنهتم في المقالات القادمة بالطريقة المثلى لتسويق المقال تماشيا مع مصالح كل الأطراف.

1-الطالب: لا نستطيع الانكار أن طالب الدكتوراه يمثل الحلقة الأضعف في هذه الديناميكية. مصلحته الأولى من المقال العلمي هو القدرة على مناقشة الأطروحة. بحيث تشترط الجامعات الجزائرية على طالب الدكتوراه مقالا واحدا على الأقل منشورا في مجلة علمية محكمة معترف بها مع كتابة مذكرة طبعا لقبول مناقشته. بيد أن لبعض الطلبة أهدافا أخرى بحيث يمثل لهم النشر العلمي فرصة لمغادرة البلاد والتنعم بعيش كريم في الغرب بحيث تتسابق كبرى الجامعات لضم طاقم أساتذة شباني ذو كفاءة عالية. مع العلم أن الهدف الثاني يتطلب عدد كبيرا من المنشورات ذو الجدوة العالية حتى يتمكن الباحث لدخول المنافسة العالمية على المناصب العليا.

2-المؤطر: بصفة عامة فإن المؤطر يرى في المقال فرصة للترقية ووصول لدرجة الأستاذية. كما أن المقال قد يساهم في إثراء سيرته الذاتية ورفع معامل H ليصبح ذو شهرة أكبر. بحيث قد تمنحه الشهرة والسيرة الذاتية الغنية فرصة لدخول احدى مشاريع البحث العالمية ينال منها مالا وفيرا يغنيه عن شح المداخيل في الجزائر. كما يرى فيك المؤطر فرصة لنيل علاوة مالية قدرها عشر ملايين سنتيم في حالة اتمامك للدكتوراه في الوقت المحدد قانونيا.

3-محرر المجلة: محرر المجلة وهو مفتاح اللغز ورأس الهرم وأهم عضو في هذه الديناميكية. محرر المجلة هو شخص مشغول على الدوام، يتلقى يوميا عددا معين من المقالات فلنقل 100 مقال وعليه أن يقرئها في مدة وجيزة ويتخذ القرار سريعا لاختيار بعضا منها تبعث للتصحيح عند أساتذة خبراء في الميدان بينما يرفض البقية. فما هي المعايير التي يتبعها محرر المجلة لقبول العدد القليل من ضمن المائة؟؟

أولا وجب التنويه أن محرر المجلة هو شخص بارغماتي يطمح لرفع قيمة مجلته وشهرتها عاليا بين أقرانها من المجلات العالمية. وهو لا يدري ولا يهمه أن يدري بأنك طالب دكتوراه بطال ومسكين تعيش في الجزائر وتبحث عن منشور واحد فقط للخروج من الغبن الذي تعيشه، فالسوسيال هو أخر اهتماماته. همه الوحيد هو أن يحظى بشهرة واسعة تجلب له علاوات شهرية مريحة، ناشرين ذو مستوى عالي ماديا ومعنويا وجامعات مرموقة تدفع لنشر ملتقياتها العالمية المعروف على انها قبلة دورية لكبار الباحثين. وبالتالي محرر المجلة مصلحته تتمثل في ضمان فهرسة مجلته في كبرى قواعد البيانات ورفع معامل تأثيرها بشكل دائم، وليحقق ذلك فهو في حاجة الى منشورات تضمن له عدد كبير من الاقتباسات مستقبلا لا سيما في العامين التاليين لنشر المقال. وبالتالي المحرر يحرص على توفر بعض الشروط الهامة، والتي يعرفها هو بخبرته انها ان توفرت فهي تزيد من احتمال رفع عدد اقتباسات المقال في المستقبل، نذكر من بينها:

-مقال بحثي أصلي مكمل للأبحاث السابقة ويحوي إضافة علمية تستهوي القراء وتجذب الباحثين.

-ميدان بحث هو ميدان مشهور وينشط فيه عدد كبير من الباحثين العالميين.

-معلومات دقيقة ومصادر معروفة، موثوقة وقوية

-وجود باحثين معروفين وخبراء مشهورين ضمن المؤلفين يزيد من احتمال اقتباس المقال مستقبلا (باحثين يملكون معامل H  عالي أو خبراء معروفين في مجال النشر ....)

-الجامعات المعروفة والمرموقة التي تحتل صدارة الترتيب العالمي سيكون لمنشورات طاقمها صدى اعلى وشهرة أوسع بحيث يزيد من احتمال اقتباسها مستقبلا.

-وجود بعض المقالات المقتبسة من المجلات التابعة للمحرر ضمن قائمة المصادر تزيد من معامل تأثير المجلات التي يديرها المحرر، وبالتالي ان وجد المحرر مقالين يحققان الشروط السابقة، الأول اقتبس من مقالات منشورة في المجلة والثاني لم يقتبس أي عمل منشور في المجلة ضمن قائمة المصادر سيختار المحرر المقال الأول ويرفض الثاني (على الأقل يجب على الطالب ان يقتبس مصدرين منشورين في المجلة المراد النشر فيها)

 

4-المصححين: المصحح هو في العادة أستاذ باحث يدرس في الجامعة، ويعمل في مخبر بحث عملا مكثفا وهو في العادة خبير وله باع واسع في النشر في ميدان البحث، له عائلة يعيلها وبيت يأوي إليه. شاءت الأعراف الاكاديمية أن يشتغل هؤلاء الباحثين مجانا لتقييم المقالات وتصحيحها وتحسينها (مجلات قليلة جدا من يقدمون بديل مالي للمصححين). عمله المجاني يجعل من التصحيح من بين أخر اهتماماته التي يعطيها وقتا ثانويا ولهذا تطول مدة النشر في انتظار تقرير المصحح الذي يعده على مهل وبعد القيام بواجباته الأهم. لكنه رغم ذلك يملك اهداف ومصالح من وراء تصحيح المقالات وعلى كاتب المقال أن يكون على مستوى رغباته:

-المقال العلمي هو فرصة له لإثراء سيرته الذاتية بحيث توفر له المجلة شهادات دورية نظير مجهوداته في تصحيح المقالات. ومقال بائس يحوي أخطاء تقنية ولغوية سيكون عارا ضهوره في سيرته الذاتية.

- المقال العلمي فرصة له لإثراء رصيده العلمي في ميدان البحث قيد الدراسة، ومعرفة الأبحاث الحديثة فيه

-الخبرة التي ينالها في المجلة تؤهله في المستقبل لفتح شركة خاصة مصغرة أو العمل مع شركات خاصة تهتم بمساعدة الباحثين في كتابة مقالاتهم (التدقيق اللغوي، التدقيق الشكلي للمقال ....)

-كسب احترام ومنزلة عالية، بحيث إذا قام المصحح بمراجعة عدة اعمال لجريدة ما، محرر المجلة سينظر اليه على انه خبير في ذاك الميدان وسيكون له منزلة وأولوية للنشر في تلك المجلة وبالتالي يساهم هذا بالتسهيل في نشر مقالاته مستقبلا والرفع من معامل H.

-المقال يمثل فرصة للتعرف اكثر على الباحثين.

ذكرنا في هذا المقال الفرق بين النظرة المادية للطالب، المشرف، المحرر والمصحح للمقال قيد النشر. فعلى الطالب الذكي المقبل على كتابة مقاله أن يأخذ بعين الاعتبار رغباتهم، طموحاتهم ومصالحهم حتى لا يقع في فخ الرفض. بينما سنهتم في المحاولات القادمة بالتقنيات والأساليب وحتى الايحاءات التي تساهم في التسويق للمقال العلمي تماشيا مع مصالح كل الأطراف.

في انتظار أسئلتكم، تعليقاتكم و إضافاتكم لهذه المحاولة المتواضعة، تقبلوا مني دعواتي وتمنياتي لكم بالنجاح والتوفيق

 

أخوكم الدكتور محمد الأمين بن بوراس ^^

تعليقات